<TABLE style="BORDER-COLLAPSE: collapse" border=0 cellSpacing=0 cellPadding=0 width=720>
<TR>
<td dir=rtl width=720 colSpan=9>
إن قالب الصلاةِ موجودٌ عند جميع المؤمنين، ولكنه يحتاج إلى نفخ الروح فيه.. فالصلاة بين يدي الله -عز وجل- حركةٌ عاطفية، هي حركة العاشقين إلى الله عز وجل.. حيث أن الإنسان يظهر ودّهُ لرب العالمين من خلال الصلاة، فإذا اشتاق المؤمن للحديث مع ربه صلى، وإذا اشتاقَ إلى حديثِ ربهِ معه قرأَ القرآن الكريم.. وكل حركة من حركات الصلاة جميلة ولها معنى: فمثلا: عندما يركع المصلي يمدُ عنقهُ للأمام وكأنهُ بلسان الحال يقول: يا ربِ، أنا هذهِ رقبتي أقدمها لك.. وفي التكبير عندما يرفع المصلي اليدين حيال الوجه أو الأذنين أو النحر، كأنه يقول: رميتُ الدنيا وراءَ ظهري، وكُل ما سوى الله وراء ظهري.. ثم يكبر!.. وعندما يبدأ بالصلاة، ينظر إلى التربة موضع سجودهِ؛ فيتذكر عاقبة أمرهِ.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. كل أمرٍ ذي بال، لابد أن نبدأهُ بـ{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. إذ أن (كل عمل لم يبدأ باسم الله، فهو أبتر)؛ مثلا: قيادة السيارة أمر ذو بال؛ لأنها قد تصطدم فتتحول إلى تابوت.. ودخول المنزل أمر ذو بال، لأنه ربما يدخل الزوج المنزل والشيطان على كتفه، وفي أول مواجهة مع الزوجة، وإذا بالحرب تشتعل بينهما.. وأحياناً يكون هناك شيطانان يتبادلان الدور، شيطان على كتف الزوج وشيطان على كتف الزوجة، فيتناطحان بفعل الشيطانين {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ}.
فإذن، إن المؤمن إذا استعملَ البسملة في حياتهِ؛ تتحول حياتهُ إلى ذكر قهري: يفتح جهاز الحاسوب يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يأكل الطعام يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يدخل الحمام يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يركب الدابة يقول: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. وبالتالي، فإنه لا يبقى هناك غفلة في الحياة!..
ما معنى {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟.. اللغة العربية لُغة معقدة، ولغة عميقة فـ{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} جملة ناقصة؛ لأنها جار ومجرور، وهي متعلقة بمحذوف.. وهذا المحذوف يتناسب مع طبيعة العمل الذي يزاوله الإنسان، فبإمكان الإنسان أن يختار ما يشاء، وهنا البراعة!.. فالبعضُ يقول: ابتدئ بـ{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. وهناك من يقول: أستعينُ بـ{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. والبعض الآخر قد يقول: أتوجه بـ{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. وأتحبب بـ{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. فيختار الإنسان من الأفعال ما يُناسب مزاجه في هذا اليوم.. أما في عالم التفسير فإنهم يقولون: أبتدئُ بـ{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. لفظ الجلالة وما أدراك ما لفظ الجلالة!.. الملوك عندما يختارون الطعامَ والثياب وغيرهِ، يختارون أفضل الأنواع لمقام السلطنة!.. وربُ العالمين اختارَ لنفسهِ اسماً.. وهناك فرقٌ بينَ "الإله" وبينَ "الله" لفظ الجلالة، هذهِ اللفظة تدلُ على الذات المقدسة.. حتى الصنم يمكن أن يقال لهُ: "إله" -ولو بمعنى الإله الباطل-، ولكن الله -تعالى- عَلمٌ للذات الواجدة المستجمعة لكل صفات الجلال والجمال.
{الله}.. البعضُ منا قد يعيش إلى آخر عمره، ولا يعلم ما معنى اسمَ ربهِ، الذي سيسأل عنهُ في قبره؟.. فألف لام التعريف، دخلت على كلمة "إله".. والإله فيه خلاف، فهو مأخوذ من أحد اشتقاقين:
الاشتقاق الأول: مأخوذة من (أله الرجل)؛ أي عبدَ، بمعنى المعبود؛ أي عبدناه.. هنا الفاعل بمعنى المفعول!.. فالله -عز وجل- مألوه؛ بمعنى أنهُ معبود.
الاشتقاق الثاني: مأخوذة من (وله الرجل)؛ أي الوله: بمعنى التحير.. (يا من تحير في ذاتهِ سواه)!.. الإنسان عندما يقف أمام رب العزة والجلال، لا يدري ماذا يقول؟!..
فيك يا أعجوبة الكون غدا الفكر كليلا
أنت حيرت ذوي اللب وبلبلت العقولا
كلما أقدم فكري فيك شبرا فر ميلا
ناكصا يخبط في عمياء لا يهدى السبيلا
نعم، خير وصف له: الله أكبر!.. أي يا ربِ أنا عاجز عن وصفك، الله أكبر من أن يوصف!.. الأولياء الصالحون لهم قصص مع لفظ الجلالة: أحدهم عندما يقوم في جوف الليل، يضع أمامهُ لفظ الجلالة، وهي مُضاءة بالنور.. العشاق ينظرون إلى لفظ الجلالة لمدة ساعات، فيستفيدون منها معاني كثيرة.. بينما البعض يستلقي على الفراش كالجيفة، كما في بعض الروايات: (جيفة بالليل، وبطال بالنهار).. يقال: أن إدمان النظر إلى لفظ الجلالة فيهِ آثار!.. فلا بأس أن يضع المؤمن لفظ الجلالة في غرفة النوم أمامه في مكانٍ لائق، وقبلَ أن ينام بدل أن يفكر في طعام الغد، ينظر إلى لفظ الجلالة إلى أن ينام.. في البداية يكون الأمر مجرد نظر، ولكن مع الأيام يترقى ويترقى، فيرى المُسمى وراءَ الاسم، ويرى المعنى وراء اللفظ.. ماذا قال الله -عز وجل- لموسى؟.. {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}.. الجبل وجود مادي؛ ولكن رب العالمين عندما تجلى لهذا الجبل خرَّ موسى صعقا.. {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، ولكن ما بالُ بني آدم لا يتصدع قلبهُ من خشية الله؟!.. فالعبد إذا مشى في طريق التكامل، فإنه يكتشف ما يكتشف.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. لماذا التأكيد على صفة الرحمة؟.. الرحيم هو ذلكَ الإنسان الذي يرى نقصاً في الغير، فيقوم بعملين:
أولاً: لهُ حركةٌ باطنية؛ وهي العاطفة.. مثلا: يرى إنسانا فقيرا فيه نقص وبحاجة إلى علاج، أو يرى يتيما بحاجة إلى كفالة؛ فإن أول شيءٍ يشعر فيه -حركة انفعالية- شفقة على هذا الإنسان.
ثانياً: لا يقول فيه شعرا، ولا يبكي مثلهُ، وإنما يسعى لسد النقصِ في حياته: إن كانَ جائعاً أشبعهُ، وإن كانَ فقيراً أغناهُ، وإن كانَ مريضاً شفاهُ.
فإذن، إن هناك حركتين: حركةٌ في القلب انفعالية، وحركةٌ في الخارج خدمتية.
إن رب العالمين رحيم، إذا رأى نقصاً في الوجود، لابدَ أن يكمل هذا النقص بمقتضى رحمته {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ}.. فالمؤمن إذا كانَ بحاجةٍ إلى كمال وتكامل، وكانَ صادقاً في إحساسهِ بالنقص؛ فإن رب العالمين يكملهُ إيماناً.. شأنُ رب العالمين أن يكمل الناقص، وأن يشفي المريض.. إبراهيم -عليه السلام- يصفُ ربهُ قائلاً {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} ما قال: أطلبُ منهُ الشفاء{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}.. نعم هذهِ علاقةُ رب العالمين بعباده، يقول -عز وجل- في حديث قدسي: (كنت كنزاً مخفياً، فأردت أن أعرف؛ فخلقت الخلق، فبي عرفوني).. ولكن مسكين بني آدم خُلق ليعرف ربه، ويتقرب إليه وإذا بهِ يتسافل ويتسافل {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ}.
{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. المؤمن إذا أرادَ أن تتجلى فيه هذهِ الصفة الربوبية، لابدَ وأن يتحلى بصفة الرحمة، -إرحم تُرحم!.. من لا يرحم من في الأرض، لا يرحمهُ من في السماء- أما الإنسان القاسي، والذي لا عاطفة له، والذي لا يتألم لأمور المسلمين، ولا يتألم لنواقص المجتمع؛ هذا الإنسان ليس بمؤمن.. رب العالمين يقول: أنا الرحمن الرحيم، والشخص إذا لم يكن على مستوى هذهِ الصفة؛ هذا ساقطٌ من عين الله عز وجل.. وفي سورة الحمد -التي تسمى بالسَبعُ المثاني؛ لأنها تقرأ في الصلاة مرتين: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)- نذكر الرحمة الإلهية أربع مرات {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. يا لهُ من تأكيد!..
ما الفرق بينَ الرحمن، وبينَ الرحيم؟..
{الرَّحْمَنِ}: صفةُ إلهيةٌ عامة، تشمل المؤمن والكافر؛ ولولا هذا اللطف الإلهي، لما بقي كافرٌ على وجه الأرض.. هنالك رواية تقول: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافراً منها شربة ماء).. الكفار هم أكثر الناس تمتعاً في هذهِ الحياة، حيث أنهم يحوزون على: جمال الوجوه، وجمال الطبيعة، ولديهم السلطة المعنوية، والسلطة السياسية، والسلطة الاقتصادية؛ فالدنيا أعطيت لهم.
{الرَّحِيمِ}: هي رحمةٌ خاصةٌ لعبادهِ المؤمنين، وتبقى إلى أبد الآبدين.. فهذا الجمال الذي أعطي لوجوه الكافرين والكافرات، جمالٌ يزول في الدنيا مع الأيام، وفي القبر لا يبقى معهم شيء.. أما المؤمن في هذهِ الحياة الدنيا فإنه كما ورد في بعض الروايات: (إنّ روح المؤمن لأشدّ اتصالاً بروح الله، من اتّصال شعاع الشمس بها).. هذا معنى الرحيم: المؤمن يصل إلى درجة يكون متصلا بالله -عز وجل- كاتصال الشمس بأشعتها؛ حيث لا واسطةَ في البين.. القمرُ منيرٌ، ولكن عبرَ الشمس.. أما شعاعَ الشمس؛ فإنه متصلٌ بها دون واسطة.. وأولياء الله: النبي وآله؛ هم الذينَ يوصلونا إلى هذهِ الشمس.. المؤمن همهُ في هذهِ الحياة أن يصل إلى هذهِ الدرجة.
إن الإمام علي والأئمة (ع) فصّلوا في هذا المجال، ومجمل التفصيل عندهم: (اِلـهي!.. هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ اِلَيْكَ، وَأَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها إلَيْكَ، حَتّى تَخْرِقَ أبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ؛ فَتَصِلَ إِلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وَتَصيرَ أَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ... اِلـهي!.. وَأَلْحِقْني بِنُورِ عِزِّكَ الأبْهَجِ، فَاَكُونَ لَكَ عارِفاً، وَعَنْ سِواكَ مُنْحَرِفاً، وَمِنْكَ خائِفاً مُراقِباً).. هكذا خُلقنا لهذهِ المقامات، ولكن -مع الأسف- همنا أصبحَ البطنُ والفرج، وعشنا كما تعيش الأنعام والبهائم.. خلقننا لهذا، ولكن أينَ نحنُ وأين هذهِ الدرجات؟!..
إنها لكارثة كبيرة أن يموت الإنسان على فقرهِ، وعلى ضعفهِ، وعلى مسكنتهِ!.. فنحن نعيش الأبدية بهذهِ الحياة الدُنيا، ولكن همنا هو فقط: الزوجة، والأولاد، والدابة.. فمتى نستيقظ؟.. البعض ابيض شعره ولا زالَ يعيش عالم المُراهقة، وأنسهُ بما لا ينبغي الأنس به. الخلاصة: 1- إن الصلاة بين يدي الله جل ذكره حركة عاطفية، يظهر فيها العبد ودّه لرب العالمين.2- أن المؤمن إذا استعمل البسملة في حياته، تتحول حياته إلى ذكر قهري، وبالتالي لا تبقى هناك غفلة في الحياة.3- أن إدمان النظر إلى لفظ الجلالة فيه آثار، في البداية يكون الأمر مجرد نظر، ولكنه يترقى ويترقى، فيرى المسمى وراء الاسم، ويرى المعنى وراء اللفظ.4- أن رب العالمين رحيم، فإذا رأى نقصا في عالم الوجود فإنه لابد أن يكمل ذلك النقص بمقتضى رحمته، فالمؤمن إذا كان بحاجة لكمال وتكامل، وكان صادقا في إحساسه بالنقص؛فإن رب العالمين يكمله إيمانا.5- أن المؤمن يصل إلى درجة يكون متصلا بالله عز وجل كاتصال الشمس بأشعتها، حيث لا واسطة في البين.6- أنه لكارثة كبرى أن يموت الإنسان على فقره ومسكنته، فنحن نعيش الأبدية بهذه الحياة الدنيا.</TD></TR></TABLE>