"الصحة تاج على رؤوس الأصحاء .. لا يراه إلا المرضى.."
كم من مرة سمعنا هذا المثل يضرب لنا ونحن صغار .. فلا نكاد نفقه ما يريد الآخرون أن يقولوه لنا ..
هل يقصد بذلك أن جميع الناس الأصحاء يرتدون تيجانًا فوق رؤوسهم؟
لكننا لا نراها؛
لأننا لسنا مرضى
.. وحدهم المرضى من يستطيعون أن يروا تلك التيجان ..
ويرى هل هي جميلة أم لا؟..
وحدهم المرضى من كنا نظن أنهم يتمتعون بهذه الخاصية السحرية التي تجعلهم يرون ما لا يراه الآخرون .. فأحيانا نتمنى أن نكون نحن المرضى لتصبح لدينا هذه الهبة التي لا تمنح إلا للمرضى..
ولنمتلك تلك العين السحرية التي ترى ما لا يراه الأصحاء منا .. لكننا حين نمرض كنا ننسى ذلك القول وذلك التاج .. حتى أننا لا نفكر حينها إلا بالنوم والراحة فقط.
أتذكر هذا القول دائمًا.. وخاصة حين يتملكني الصداع الكئيب .. ويكاد يقضي على كل مداركي وأحاسيسي .. أتذكره وأنا أرى الآخرين يتحركون ويسيرون وفقا لما سيرتهم عليه حياتهم .. بحب .. بمرح.. بتفاؤل.. الآخرون يعيشون حياة لا يمكنني وأنا مغلفة بهذا الألم الرهيب أن أمارسها أو أفكر حتى في ممارستها.. لحظتها فقط أرى تلك التيجان التي لم أستطع رؤيتها وأنا طفلة ..
أراها تبرق وتلمع فوق رؤوس كل الأصحاء .. أراها في ابتساماتهم الودودة .. وفي مرحهم وصخبهم .. في حبهم للحياة وتقبلهم لكل شيء فيها ..
أرى الضحكة التي لا أستطيع إطلاقها بسبب تلك الآلام المبرحة .. أراها في انطلاقهم إلى العمل .. وفي خوضهم لكل التجارب والمعارك دون كلل أو ملل .. أراها في خطوهم .. وفي علاقتهم بأبنائهم .. في أسئلتهم التي لا تنتهي.. في إجاباتهم المتكررة .. في اهتمامهم بأنفسهم .. وأتطلع إلى رأسي الموجوع في المرآة .. فلا أرى أي تاج ولا أري بريق ..
حين ذلك فقط أدرك أن للصحة تاجها الذي يجب أن نحمد الله عليه ونشكره ليلا ونهارًا .. حقًا .. لا يعلم قيمة ذلك التاج ولا يراه إلا المحروم منه .. ذلك الموجع الفاقد للقابلية على مواصلة الضحك والابتسام.
نعم .. للصحة تاجها الذي لم تلمسه أي يد بشرية .. ولم يصمم في دور المجوهرات العالمية .. ولم يعرض في النشرات الإعلانية والإخبارية .. ولم يعرض يومًا للبيع في المزادات العلنية.
ذلك التاج الذي صاغته قدرة إلهية كبرى .. وضعت فيه كل الموصفات والمقاييس الصحية التي لا تستطيع إنجازها كل مصانع الأدوية العالمية على شتى ماركاتها وعلاماتها التجارية .. تاج لا يقاس بالموازين .. ولا بالمكاييل .. ولا بالقيراط .. ولا بأي وزن تبيحه المنظمات الدولية والعالمية.
إنه تاج إلهي من صنع الخالق الجبار الذي لا يمكننا أن ننكر عليه هذه الهبة الكريمة .. ولا يمكننا إلا أن ندعوه بدوامها ودوام ذلك التاج على كل الرؤوس .. حتى وإن لم نتمكن من رؤيته .. وحتى يظل المجتمع دائمًا سليمًا ومعافى من كل سوء.