-قصة قصيرة-
هل كنت أحبها حقاً؟
نعم.. هذا صدق ويقين
فما معنى.. أن تهتز جوانحك برؤيتها ويطمئن قلبك بجوارها.. وتسعد نفسك بالحوار معها؟
ما معنى أن ينشد الكون نشيدا رائعا ترديدا لكلماتها.. وأن تغرد الطيور على لحن صوتها؟
ما معنى أن تشرق الدنيا لبسمتها وتنير الكون لطلعتها البهية؟
ولكن ..
كيف تكون النهاية بمثل تلك القسوة؟
حدث كل شيء بسرعة وبصورة تبعث على الدهشة
.....
كنا نسير سويا وأنا أحدثها وأعنفها لتأخرها أثناء شرائها من ذلك البائع
مع أن سبب تأخرها هو أنها كانت تنتقي بعناية ما تريد شراؤه حتى تجلب لي أفضل الأشياء ..وتدقق في الأسعار محافظة على مالي
وبينما أنا أتحدث في انفعال ويكاد غضب الانتظار أن يعمي عيني كنت أهم بعبور الشارع وأنا لا ألتفت للسيارات المنطلقة به
وإذا بها ترمي ما بيدها وتصرخ في جنون وتشدني بقوة من أمام سيارة تنطلق في جنون.. ولكن بفعلتها هذه تعثرت وارتمت هي أمامها رغما عنها
وهاهي ملقاة بين يدي تسيل الدماء منها أنهارا..
فجأة أصاب الكون الصمت وسكنت الأشياء.. ولم أعد أري سوى بريق عينيها الذي يذوي ببطء وشفتيها تتمتم بكلمات غير مفهومة
وأنا لا أشعر سوى بأن الدنيا قد انهارت فجأة ..
وبدأت تمر حياتي معها أمام عيني في سرعة لا مثيل لها
.....
هل تلك الحبيبة التي كنت متيما بها.. ورغم ضعف إمكاناتي الاجتماعية مقارنة بوضع أسرتها تحدت الجميع لأجلي..وتنازلت عن مستحقات كثيرة اعتادت عليها في حياتها بين أسرتها..أيضا لأجلي
كم تذوقت معي ليالي الجوع والألم والبرد
كم أهينت حين وضعت بمقارنة مع أخواتها اللاتي يعشن حياة كريمة تليق بوضعهن السابق
ولكنها صبرت وتحملت حتى فرج الله عنا ووسع لنا أبواب الرزق
ومع كل هذا لم أضعها في موضعها الذي يليق بها
كم كانت تقضي الساعات تتفنن في إعداد طعام ما منتظرة مني كلمة مديح أو شكر واحدة
ولكني كنت ألتهم الطعام كحمار جائع لا يهمه سوى أن يملأ بطنه والذهاب للنوم.. هذا إن لم أنتقد بأن الملح زائد أو الماء قليل أو ماشابه
هي التي كانت تبكي بكاء مرا حين تراني مريضا ولا تنام حتى تطمئن بأن كل آلامي قد سكنت
وأنا الذي كنت أراها تعاني آلام الوضع الرهيبة ولا يهتز لي رمش
هي التي كانت لا ترى في الكون سواي ..
وأنا الذي بعد أن تيسر لي الحال.. بدأت أستشعر بأن هناك صفات كثيرة تنقصها وتتوافر في نساء غيرها كثيرات
ها هي تذهب أمام عيني وقد أتاني اليقين بأني أبدا لن أجد شبيهة لها
.....
لو تعود الأيام
لمنحتها من الحب والود أضعاف ما منحتني وهو كثير
لأسمعتها من أطيب الكلام ما تطيب لها نفسها ويفرح بها فؤادها
لأخلصت لها مشاعري وعلمت بأنه لا إنسان كامل وكما أني لست ملاكا فلا أنتظر أن تكون هي ذلك الملاك.. وإن كانت هي حقا ملاك
أخذت رؤى الندم والألم تتراءى أمام بصري ودموع عيناي تسيل في غزارة كسيل منهمر وتتساقط فوق عينيها ورأسها بين يدي
وإذ بهاتان العينان تتفتحان كزهرتين وتبتسم وتمد يدها الرقيقة وتهز كتفي بحنانها المعهود
لم أصدق نفسي.. ولم تتوقف دموعي بنفس تركيبها الكيميائي وإن كانت مشاعري قد اختلفت إلى النقيض تماماً
وازداد هزها لكتفي بقوة ..
وهي تقول
ـ استيقظ بالله عليك
فتحت عيناي فإذ بها واقفة أمامي والجزع على وجهها وتقول لي
ـ ما بك؟!! لقد كنت تنتفض أثناء نومك وعيناك تدمعان
لم أمتلك سوى أن أمسك بيدها لأقبّلها ولساني يلهج بأن الحمد لله